ذكر استحباب قبول الاعتذار من المعتذر |
|
|
|
|
أنبأنا علي بن الحسن بن عبد الجبار - بنصيبين - حدثنا علي بن حرب الطائي حدثنا وكيع عن الثوري عن ابن جريج عن العباس بن عبد الرحمن بن مينا عن جودان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اعتذر الى أخيه فلم يقبل كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس ". |
قال أبو حاتم رضي الله عنه: أنا خائف أن يكون ابن جريج رحمه الله ورضوانه عليه دلس هذا الخبر بأن سمعه من العباس بن عبد الرحمن فهو حديث حسن. |
فالواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه لجرم مضى، أو لتقصير سبق، أن يقبل عذره، ويجعله كمن لم يذنب؛ لأن من تنصل إليه فلم يقبل أخاف أن لا يرد الحوض على المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن فرط منه تقصير في سبب من الأسباب يجب عليه الاعتذار في تقصيره إلى أخيه. |
ولقد أنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي: |
| [size=21]من التقصير عذر أخ مقر | | إذا اعتذر الصديق إليك يوما | |
| فإن الصفح شيمة كل حر | | فصنه عن جفائك، واعف عنه | |
وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي: |
| إقراره بالجـرم والذنـب | | شفيع من أسلمه جرمه | |
| إعتاب من أصبح ذا عتب | | وتوبة المذنب من ذنبه | |
أنبأنا عمرو بن محمد، حدثنا الغلابي، حدثنا ابن عائشة، قال: غضب سليمان بن عبد الملك على خالد بن عبد الله، فلما دخل عليه قال: يا أمير المؤمنين، القدرة تذهب الحفيظة، وأنت تجل عن العقوبة، فإن تعف فأهل ذاك أنت، وإن تعاقب فأهل ذاك أنا، فال: فعفا عنه. |
قال أبو حاتم رضي الله عنه: لا يجب للمرء أن يعتذر بحيله إلى من لا يحب أن يجد له عذرا، ولا يجب أن يكثر من الاعتذار إلى أخيه؛ فإن الإكثار من الاعتذار هو السبب المؤدي إلى التهمة، وإني أستحب الإقلال من الاعتذار على الأحوال كلها؛ لعلمي أن المعاذير يعتريها الكذب، وقل ما رأيت أحدا اعتذر إلا شاب اعتذاره بالكذب، ومن اعترف بالزلة استحق الصفح عنها، لأن ذل الاعتذار عن الزلة يوجب تسكين الغضب عنها والمعتذر إذا كان محقا خضع في قوله، وذل في فعله، كما أنشدني المنتصر بن بلال: |
| إلي، فلم ينهض بإحسانك الشكر | | أيا رب قد أحسنت عودا وبدأة | |
| فعذري إقراري بأن ليس لي عذر | | فمن كان ذا عذر إليك وحجة | |
وأنشدني الكريزي: |
| وألزمتني ذنبا وإن كنت مجرما[1] | | وإني وإن أظهرت لي منك جفوة | |
| أراك بها منى أبـر وأرحـما | | لراض لنفسي ما رضيت لها به | |
أنبأنا محمد بن عثمان العقبي، حدثنا الفيض بن الجهم التميمي، حدثنا عبد الله ابن خبيق قال: كان يقال: احتمل من دل عليك، واقبل ممن اعتذر إليك. |
أنبأنا بكر بن محمد بن الوهاب القزاز - بالبصرة - حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو بشر قال: سمعت أبي قال: حدثنا مبارك بن فضالة عن حميد الطويل عن أبي قلابة، قال: "إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له عذرا فإن لم تجد له عذرا، فقل: لعل له عذرا لا أعلمه". |
قال أبو حاتم رضي الله عنه: لا يجب للمرء أن يعلن عقوبة من لم يعلن ذنبه، ولا يخلو المعتذر في اعتذاره من أحد رجلين: إما أن يكون صادقا في اعتذاره، أو كاذبا؛ فإن كان صادقا فقد استحق العفو؛ لأن شر الناس من لم يقل العثرات، ولا يستر الزلات، وإن كان كاذبا فالواجب على المرء إذا علم من المعتذر إثم الكذب وريبته وخضوع الاعتذار وذلته: أن لا يعاقبه على الذنب السالف بل يشكر له الإحسان المحدث، الذي جاء به في اعتذاره، وليس يعيب المعتذر إن ذل وخضع في اعتذاره إلى أخيه. |
وأنشدني الأبرش: |
| فأين عاطفة الأخوة؟ | | هبني أسأت، كما زعمت، | |
| فأين فضلك والمروة؟ | | أو إن أسأت، كما أسأت | |
وأنشدني علي بن محمد البسامي: |
| فعفو جميل كي يكون لك الفضل | | هبني مسيئا كالذي قلت ظالـما | |
| أتيت به - أهلا فأنـت له أهـل | | فإن لم أكن للعفو منك - لسوء ما | |
وأنشدني ابن زنجي البغدادي: |
مثـــل جـــرم أبــي لهب ت، وكـم أسـأت فلـم أتـب | | هبني أسأت، وكـان جرمـي فأنـا أتـوب كـما أســأ |
وأنشدني محمد بن أبي علي، أنشدنا الربعي عن الأصمعي : |
| وخير الناس من أخطأ فتابا[2] | | أتيتك تائبا من كل ذنب | |
| وقد ملك العقوبة والثوابا؟ | | أليس الله يستعفى فيعفو | |
وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي: |
| وتـاب إلى ربـه آدم | | عصيت وتبت، كما قد عصى | |
| لكم يغفر الغافر الراحم | | فقل قول يوسـف لا تـثربا | |
أنبأنا محمد بن المهاجر المعدل، حدثنا محمد بن عبد الله الجرزي عن حميد ابن سنان الخالدي - وكان نديما لأبي دلف - قال: دخلت على أبي دلف يوما، وبين يديه كتاب وهو يضحك، فقال: هذا كتاب عبد الله بن طاهر، وفيه أبيات أحب أن أنشدك إياها، وذلك أني كنت استبطأته في بعض المؤامرات، فكتبت إليه: |
| ولا خير فيمن لا يدوم له عه | | أرى ودكم كالورد ليس بدائم | |
| له نضرة تبقى إذا فني الورد | | وودي بكم كالآس حسنا وبهجة | |
فكتب إلي بهذه الأبيات: |
| وهل زهر إلا وسيدهـا الورد | | شبهت ودي الورد، فهو مشاكلي | |
| ولم تخلف التشبيه فيك ولم تعد | | وشبهت منك الود بالآس في البقا | |
| وليس له في الريح قبل ولا بعد | | فودك كـالآس المـرير مـذاقه | |
أخبرنا عبد الكبير بن عمر الخطابي بالبصرة، حدثنا أبو حاتم السجستاني عن الأصمعي قال: حدثنا عيسى بن عمر قال: كان لأبي الأسود الدؤلي صديق، فرأى منه بعض ما يكره، فقال أبو الأسود: |
| أتاني، فقال: اتخذني خليلا | | رأيت امرءا لم أكن أبله[3] | |
| فلم ينقص الود منه فـتيلا | | فخاللـته، ثم صافيتـه | |
| عتابا رفيقا وقولا جـميلا | | فراجعـته، ثم عاتبـته | |
| ولا ذاكر الله إلا قليـلا | | فألفـيته غير مسـتعتب | |
| وأتبع ذلك هجرا طـويلا | | ألست حقيقا بتـوديعه | |
قال أبو حاتم رضي الله عنه: الاعتذار يذهب الهموم، ويجلى الأحزان، ويدفع الحقد، ويذهب الصد، والإقلال منه تستغرق فيه الجنايات العظيمة والذنوب الكثيرة، والإكثار منه يؤدي الى الاتهام وسوء الرأي، فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفى التعجب عن النفس في الحال لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة. |
ولقد أنشدني الكريزي: |
| فطال ما صح لي من طرفك النظر | | فانظر إلى بطرف غير ذي مرض | |
| واجمع برفقك ما قد كاد ينتشر[4] | | أدرك بفضلك عظما كنت تجبره | |
أنبأنا عمرو بن محمد الأنصاري، حدثنا الغلابي، حدثنا مهدي بن سابق حدثنا عطاء بن مصعب قال قدم عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد على معن بن زائدة باليمن، وكانت بينهما عداوة، فلما رآه قال: له يا عبد الرحمن، بأي وجه أتيتني؟ ولأي خير أملتني؟ قال: أصلح الله الأمير! اسمع مني حتى أنشدك بيتين قالهما نصيب في عبد العزيز بن مروان، قال: وما هما؟ فأنشده: |
| كفعلك، أو للفعل منك مقارب | | لو كان فوق الأرض حي فعاله | |
| سواك على المستعتبين المذاهب | | لقلت له هذا، ولكن تعـذرت | |
فقال: أقم، فإني لا أواخذك فيما مضى، ولا أعنفك فيما بقي. |
أنبأنا الخلادي حدثنا محمد بن موسى السمري عن حماد بن إسحاق قال. ابن السماك لمحمد بن سليمان، أو حماد بن موسى لكاتبه، ورآه كالمعرض عنه: مالي أراك كالمعرض عني؟ قال: بلغني عنك شيء كرهته، قال: إذا |
|